قصتنا
بعد مذبحة دير ياسين جمعوا الناجين من أطفال القرية في سيارة وطافوا بهم الأحياء على اليهودية في القدس مستعرضين عضلاتهم وقوتهم وبطولتهم في قتل الأبرياء من أبناء وشيوخ وأهالي هذه القرية الوادعة والتي لم يقدم أهلها في يوم من الأيام على إيذاء أحد. وفي نهاية المطاف أنزلوهم في باب الخليل.
تولى أكبرهم سنا قيادتهم وسار بهم في شوارع القدس القديمة، والتجأ معهم إلى حائط قرب كنيسة القيامة ومسجد عمر، وتصادف أن كانت السيدة هند الحسيني في ذلك الوقت متجهة إلى اجتماع جماهيري لبحث أوضاع المدينة، ففوجئت بوجود عدد من الأطفال تستظل جدارا، عيونهم تنطق بالذعر والهلع مما رأوه، يحاول الكبار منهم تهدئة روع الصغار، فاتجهت نحوهم وسألتهم عن سبب تجمعهم في هذه المنطقة، فوقف أكبرهم وقص عليها ما حدث في القرية، من قتل وذبح وسفك للدماء، فشعرت بالحزن والأسى مما أصابهم وأصاب الشعب الفلسطيني.
طلبت من الأطفال البقاء حيث كانوا حتى تعود إليهم، عادت بعد أن استأجرت غرفتين في سوق الحصر، أخذت الأطفال إلى هناك، وأحضرت لهم ما استطاعت في ذلك اليوم من مأكل وملبس وأمنت لهم المنام وهدأت روعهم.
لم تكن تستطيع السيدة هند الوصول إلى بيتها الكائن في الشيخ جراح في تلك الأيام بل كانت تسكن مع والدتها في أحد الأديرة في البلدة القديمة. ودأبت على التردد عليهم يوميا متفقدة حاجاتهم ملبية رغباتهم وكانت تضم إليهم يوميا عددا آخر من اليتامى والمشردين الذين تجدهم في طريقها.
سمع أهل الخير بما تقوم به فبدأوا يساعدونها بما تستطيع أن تصل أيديهم، من مال وطعام وكساء وأثاث. وكانت تقول في نفسها لو مات هؤلاء الأطفال لمحي الشعب الفلسطيني، فآلت على نفسها أن ترعى الأيتام وتربيهم تربية صالحة إذ تصورت أنه يموت هؤلاء الأطفال سيمحى الشعب الفلسطيني بأكمله.
بعد الهدنة الأولى انتقلت مع الأطفال إلى بيتها وبدأت اتصالاتها بصديقاتها حيث وجدت أنها لا تستطيع وحدها القيام برعاية الأيتام وهكذا فكرت بتأسيس مؤسسة دار الطفل العربي بالقدس وكان ذلك في 25 نيسان سنة 1948.
جمعت التبرعات من أهل الخير وبدأت اتصالاتها بالداخل والخارج لتؤمن الحياة الكريمة لمن نكبوا بفقد الأهل.
ازداد عدد اليتامى وازداد العبء عليها ولكنها لم تيأس وظلت تسعى وتجد وتتنقل من بلد لآخر لتجمع ما تستطيع من أموال لسد احتياجاتهم وتأمين مستقبلهم.
لم تكتف هند بإيواء الأطفال وصممت على أن تؤمن لهم مستقبلهم بتوفير فرص التعليم لهم فأعدت الأبنية اللازمة للمدرسة واستملكت الأرض والأبنية القديمة المحيطة بها ووهبتها كلها لدار الطفل العربي وبعد ذلك أوقفتها على مصلحة الدار.
وبمساعدة أهل الخير استطاعت أن تضيف للأبنية القديمة أبنية حديثة، بحيث أصبحت الدار تضم الحضانة والروضة والمدرسة الأساسية والثانوية وقسما لمحو الأمية، وفصلا لتعليم الضرب على الآلة الكاتبة والقص والتفصيل والتطريز.
بني طابقين للمدرسة بتبرعات من شركة أرامكو في الظهران ثم بني طابقان من آل الشايع في الكويت واستكملت جميعا حتى عام 1967. أما عمارة القسم الداخلي فبنيت عام 1970 من تبرعات الكنيسة الألمانية اللوثرية في بون. وتبرعت منظمة المؤتمر الإسلامي ببناء كلية الآداب للبنات وتم إنجازها عام 1982 حيث انتظمت فيها الدراسة بنفس العام بتخصصات ثلاثة مدة الدراسة في كل منها أربع سنوات يمنح الطالبة في نهايتها شهادة البكالوريوس في الآداب وهي اللغة العربية وآدابها، اللغة الإنجليزية وآدابها والخدمة الاجتماعية.
وفي نفس العام تم شراء بيت الأديب الفلسطيني الكبير المرحوم إسعاف النشاشيبي وتم إعداده ليكون مركزا للأبحاث الإسلامية. ويضم المركز الآن العديد من المخطوطات النادرة التي تم تحقيق بعضها كما أصدر مجموعة من الكتب القيمة. ويسعى المركز لتحسين أدائه في مضمار فروع ترميم الوثائق والمخطوطات وصيانتها ولذلك يقوم بإرسال الموظفين لتلقي أحدث الطرق والأساليب العلمية لإتقان هذا العمل كما ينوي استقدام خبراء في هذا المضمار.
وفي عام 1991 افتتحت المؤسسة معهدا للآثار الإسلامية يمنح الخريجين درجة الماجستير في الآثار يركز أكثر ما يركز على الآثار الإسلامية في القدس خاصة وفي فلسطين عامة.
ومن الجدير ذكره أن كلية الآداب ومعهد الآثار ومركز الأبحاث ضموا إلى جامعة القدس منذ سنة 1994 أكاديميا وتم توحيد جميع كليات جامعة القدس إداريا وأكاديميا وماليا سنة 1995.
وفي أوائل الستينات بدأت بجمع الثياب المطرزة القديمة من مناطق مختلفة من فلسطين ومع مرور الأيام تجمع لديها العديد منها. وبدأت فكرة إنشاء متحف شعبي تراودها، ذلك للحفاظ على تراثنا الشعبي من الضياع والاندثار. وهكذا أفردت للمتحف عمارة قديمة بنيت عام 1780 وعرضت فيها ما جمعته من قطع نادرة بلغ عددها 2200 قطعة في ذلك الوقت ودأبت على إثراء المتحف كلما أتيحت لها الفرصة لزيادة مقتنياته.
تعتمد المؤسسة في ميزانيتها على تبرعات أهل الخير هنا وفي الشتات وعلى لجانها في جدة وفي عمان، وتتلقى المؤسسة بعض الهبات المشروطة لمشاريع معينة من مؤسسات عربية وأجنبية مثل مؤسسة التعاون ومؤسسة النور في مملكة البحرين، بنك التنمية الإسلامي في جدة، الصندوق العربي للإنماء الاجتماعي والاقتصادي في دولة الكويت، منظمة التعاون الإسلامي في جدة، ووكالة بيت مال القدس في المملكة المغربية. أما الرسوم المدرسية التي تجبى من المقتدرات لا تسد إلا الجزء البسيط من الميزانية لأن الإعفاء يشمل جميع اليتيمات في القسمين الداخلي والخارجي كما يشمل الحالات الاجتماعية الصعبة.
ماهرة الدجاني