القدس ـ الأناضول: في عام 1995 وافقت المربية ماهرة الدجاني على مضض، على تولّي إدارة مؤسسة «دار الطفل العربيّ» في القدس الشرقية، لتكمل مسيرة صديقتها الراحلة المربية هند الحسيني.
آنذاك، كانت الدجاني، من مواليد 1932 تعتقد أنها ستبقى في منصبها لسنوات قليلة، لكنها ما زالت على رأس عملها بشكلٍ تطوّعي منذ ذلك الحين.
من مكتبها في «دار الطفل العربي» في حي الشيخ جراح، قالت: «أنا عضو في دار الطفل منذ عام 1962 عندما طلبت مني الراحلة الأستاذة هند الحسيني أن أكون عضواً».
وأضافت: «في العام 1994 توفيت الأستاذة هند، وحينها كنت في سفر لمدة 3 أشهر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ورفضت عروضاً بتولّي رئاسة دار الطفل».
الأبواب مفتوحة
واستدركت: «لكن عندما عدت واطلعت على واقع دار الطفل، حيث كانت كل الأبواب مفتوحة، حينها أدركت انه يجب الحفاظ عليها لعام أو عامين من أجل ترتيب الأمور».
وتابعت الدجاني «لكن امتدّ الأمر منذ عام 1995 وحتى الآن كمتطوّعة، ما يعني أنني طوال27 سنة أعمل هنا كمتطوّعة، سبقتها 10 سنوات في جمعية إنعاش الأسرة، وأقول (وما توفيقي إلا بالله).»
وأضافت «أعيش على راتب التقاعد، عندما كنت أعمل اشتريت 5 قطع أراضٍ، بعت 3 منها، ويساعدني إخوتي وأولادي عند الحاجة».
تُعتبر الدجاني من أعلام التربية في مدينة القدس الشرقية بشكلٍ خاص، والأراضي الفلسطينية بشكلٍ عام.
وتختزن في ذاكرتها الكثير من الأحداث، بما في ذلك حرب 1948 وحرب 1967.
عرّفت عن نفسها بالقول: «أنا ماهرة الدجاني، من عائلة مقدسية، وقد ولدت في حيّ النبي داود في القدس لأبوين مقدسيين، ودرست في المدرسة المأمونية في الشيخ جراح».
تستذكر أنه في حينها وقعت مجزرة دير ياسين في أبريل/نيسان 1948 والتي تقع الآن في القدس الغربية.
وقالت: «أثناء تقديم الامتحانات، وقعت مجزرة دير ياسين، وبسبب صعوبة الحركة تم الترتيب لإقامتنا كطلاب في منزل في منطقة باب الساهرة» في إشارة إلى إحدى بوابات البلدة القديمة في القدس.
وأضافت: «بعد انتهاء الامتحانات، عدت إلى منزلي ولم أجد فيه إلا والدي الذي أبلغني أنه بعد مجزرة دير ياسين توجّه أفراد أسرتي إلى الخليل (جنوبي الضفة الغربية) عند خالتي، وطلب مني اللحاق بهم مع بعض الأقارب».
وتابعت «اعتقدت في حينها أنني ذاهبة إلى رحلة، فخرجت بملابسي وطبعاً لم نعد إلى منازلنا، فقد وقعت الحرب وتمّ هدم منازلنا، وبينها منزل في النبي داود وبناية في البقعة التحتا (القدس الغربية الآن) ولم نتمكن من العودة إليها».
مكثت الدجاني مع عائلتها في الخليل قبل أن تقرّر العائلة السفر إلى سوريا بعيداً عن نيران الحرب التي كانت تقترب منهم.
وقالت: «في تلك الفترة استشهد شقيقي علاء الدين في مايو/أيار 1948 وزرنا قبره في القدس ثم بدأنا السفر إلى سوريا، وعندما وصلنا إلى أريحا وهناك قابلنا شقيقي خالد الذي كان يعمل في دائرة الحاكم في القدس، وأبلغنا أنه ستحدث هدنة ونصحنا بالبقاء وعدم السفر وبالتالي بقينا في أريحا في منزل جدي هناك».
في حينه كان للدجاني 6 إخوة ذكور وأختان، ومن بين الإخوة كان 3 يشاركون في الدفاع عن القدس.
وقالت: «بعد الهدنة الأولى، ذهبنا إلى منزلنا في الخليل، وسمعت أن هناك نقص معلمات في المدرسة هناك، وتطوّعت لتعليم اللغة الإنكليزية لمدة عامين ثم تم تعييني معلمة».
وأضافت: «ثم انتقلت إلى رام الله وعملت كمعلمة، وكنت مسؤولة عن النشاط الرياضي ونشاط المرشدات والتحقت بعدة دورات، ثم انتخبتني وزارة التربية والتعليم كموجّهة للتربية الرياضية، وأسسنا جمعية للمرشدات، وفي عام 1962 أصبحت أول رئيسة لجمعية المرشدات الأردنية».
وتابعت: «بعد 1967 انضممت إلى جمعية الاتحاد النسائي في البيرة مع الراحلة سميحة خليل التي كانت تنشئ جمعية إنعاش الأسرة، فعملتُ معها».
عايشت الدجّاني الفترة التي حاولت فيها إسرائيل فرض المنهاج التعليميّ الإسرائيلي في مدارس القدس الشرقية بعد حرب 1967.
وقالت: «بعد الحرب، كان اليهود يريدون فرض المنهاج الإسرائيلي في القدس، ورفض الجميع هذا الأمر، وكنت أنا أجمع الكتب القديمة من المدارس وأجلبها إلى مدرسة دار الطفل، ومنها توزّع على المدارس لتعليم المنهاج الأردنيّ، كنت بسيارتي أجمع الكتب من المدارس وأجلبها إلى هنا». وإثر النشاط الملحوظ لها في الجانب الوطني، قالت الدجاني: «في العام 1984 اخرجني اليهود أمنياً وبقيت في رام الله».
تحتفظ الدجاني بعددٍ من الصور التذكارية في مكتبها، بعضها ملوّن والأخر بالأبيض والأسود. ومن بين الصور القديمة، تبرز صورة لها مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وإلى جانبه ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال. وتقول عن تلك الصورة: «في عام 1964 كان عندنا مخيم كشفي في الإسكندرية في مصر، وفي الوقت نفسه كان مؤتمر القمة الثاني، وطلبت منا المشاركة في استقبال الرؤساء، ذهبنا إلى المطار وصافحناه والملك الراحل الملك حسين».
وأضافت: «قالت إحدى الفتيات للرئيس المصري (عبد الناصر): ألا تريد أن تصافحنا؟ فردّ عليها: طبعا».
واستدركت: «عندما وصل وقت تصويري كانت كلّ الكاميرات قد فرغت من الأفلام، وقلت للرئيس عبد الناصر لن أترك يدك حتى نتصوّر، فردّ عليّ: وأنا لن أترك يدكِ حتى نتصوّر. وبالفعل تصوّرنا».
ومن بين الصور التذكارية أيضاً، صورتان مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حدثين منفصلين أولهما عام 2009.
دار الطفل العربي
عادة ما يرتبط اسم الدجاني بالمربية الراحلة هند الحسيني التي ولدت في عام 1916 وتوفيت عام 1994.
كانت الحسيني قد وضعت في عام 1948 اللبِنات الأولى لمدرسة «دار الطفل العربيّ» في القدس. وأشارت الدجاني إلى أن فكرة بناء الدار جاءت بعدما شاهدت الحسيني صدفةً 55 طفلاً قرب جامع عمر بن الخطاب الملاصق لكنيسة القيامة في القدس القديمة.
وذكرت أن العصابات الصهيونية كانت ألقت الأطفال عند الأسوار القديمة بعد أن وجدتهم في دير ياسين إثر المجزرة هناك.
وقالت: «في ذلك الوقت، كانت الأستاذة هند الحسيني في طريقها إلى اجتماع لجمعية التضامن النسائي لبحث مستقبل الفلسطينيين القادمين من البلدات التي أصبحت تشكل القدس الغربية، مثل البقعة والقطمون والطالبية».
وأضافت: «لفت نظرها الأطفال وهم يبكون، وقلت لهم ماذا تفعلون هنا؟ اذهبوا إلى منازلكم، فقالوا: لا أحد لنا هنا، نحن من دير ياسين، فقالت لهم ابقوا هنا وسأعود لكم فذهبت إلى سوق الحصر (بالبلدة القديمة)، وهناك دير للسريان واستأجرت غرفتين وعادت وأخذت الأطفال ووضعتهم في الدير، واشترت لهم احتياجاتهم والطعام، وكانت دائما تذهب إلى الأطفال لتفقّدهم».
وتابعت: «كان الأطفال، وهي تمشي معهم بعضهم يتمسّك بيدها وبملابسها، ونقلتهم إلى دير صهيون بجانب المسجد الأقصى، وبعد الهدنة الأولى تمكنت من جلبهم إلى هنا في الشيخ جراح ووضعتهم في هذه الغرفة وتلقّت المساعدات من الناس من غطاء وملابس».
وأشارت إلى أنه «في ذلك الحين أسست الأستاذة هند جمعية «دار الطفل العربي» ومن خلال مساعدات، بدأت الجمعية بالتوسّع وصارت تستقبل الأيتام من كلّ أنحاء فلسطين». وتلفت البجاني إلى أن المدرسة توسّعت منذ ذلك الحين، وفيها حالياً 90 موظفاً وعشرات البنات اليتيمات.
لكنها لفتت إلى صعوباتٍ في التمويل وقالت: «نسعى بشكل دائم مع المانحين للحصول على مساعدات، وفي الكثير من الأشهر نضطر للاستدانة من البنوك لتغطية المصاريف».